خبير عكسري: خياران للاحتلال مكلفين استمرار التصعيد في غزة أو مواجهة تحديات الاحتلال الكامل
أكد الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد المتقاعد حاتم كريم الفلاحي أن الاحتلال الإسرائيلي يواجه معضلة إستراتيجية في تعامله مع الوضع في قطاع غزة، تتلخص في خيارين رئيسيين: مواصلة العمليات العسكرية بمخاطرها وتكاليفها المرتفعة، أو اتخاذ قرار باحتلال القطاع بالكامل، وهو خيار يفرض تحديات كبيرة على المستويات العسكرية، الاقتصادية، والسياسية.
وأوضح الفلاحي أن استمرار العمليات العسكرية يترتب عليه تكلفة بشرية ومادية كبيرة للاحتلال، خصوصًا مع امتلاك المقاومة الفلسطينية أدوات فعّالة مثل قذائف الهاون، التي تُستخدم لتعطيل خطوط الإمداد وإرباك تحركات الجيش الإسرائيلي، رغم تكثيف الاحتلال للمراقبة الجوية.
وأشار الفلاحي إلى أن الاحتلال الكامل للقطاع، إذا ما قررت إسرائيل المضي فيه، سيضعها أمام تحديات ضخمة تتعلق بإدارة أكثر من مليوني فلسطيني. وتشمل هذه التحديات توفير الغذاء والخدمات الأساسية، وإعادة إعمار ما دمّرته العمليات العسكرية، مما يفرض أعباء اقتصادية هائلة على إسرائيل.
كما حذّر من تداعيات أمنية مرتبطة بالأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وباقي فصائل المقاومة، حيث قد تعرض العمليات العسكرية حياتهم للخطر، مما يزيد الضغط الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو.
وتناول الفلاحي "خطة الفقاعات" الإسرائيلية، التي تهدف إلى تقسيم قطاع غزة إلى أربعة أقسام منفصلة: الشمال، ولواء غزة، والمنطقة الوسطى، والجنوب. وأوضح أن الهدف الأساسي من الخطة هو منع التواصل بين سكان القطاع، حتى في حال وقف إطلاق النار، في محاولة لفرض عزلة طويلة الأمد.
لكن تطبيق هذه الخطة يواجه صعوبات كبيرة، أبرزها استمرار سيطرة حماس والفصائل المسلحة على القطاع، إضافة إلى التكاليف البشرية التي قد تتكبدها إسرائيل أثناء التنفيذ.
وأشار الفلاحي إلى سيناريوهات بديلة قد تكون محل دراسة، مثل إدخال قوات عربية أو دولية لإدارة القطاع، مدعومة بقوات فلسطينية مرتبطة بالسلطة أو شخصيات سياسية مثل محمد دحلان. إلا أن هذه الخيارات قد تثير انقسامات داخلية وإقليمية، مما يزيد تعقيد المشهد.
على الصعيد الميداني، تستمر المقاومة الفلسطينية في استهداف خطوط إمداد الاحتلال شمالي قطاع غزة. وأعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، قصف خطوط الإمداد شرق جباليا بقذائف هاون ثقيلة.
وأوضح الفلاحي أن هذا الأسلوب يعكس قدرة المقاومة على التكيف مع التطورات الميدانية والتعامل بفعالية مع محاولات الاحتلال فرض سيطرته.
تتزامن هذه العمليات مع قصف إسرائيلي مكثف استهدف أحياء مختلفة من غزة، مما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين. وبلغ عدد الشهداء منذ بدء العمليات الإسرائيلية شمال غزة في أكتوبر/تشرين الأول أكثر من 2300 فلسطيني، وسط دمار واسع النطاق وتهجير عشرات الآلاف من السكان.
ميدانياً، شهد قطاع غزة، اليوم الجمعة، تصعيدًا عسكريًا جديدًا مع تواصل الغارات الجوية الإسرائيلية على مناطق متفرقة من القطاع. واستهدفت الطائرات الحربية عدة مواقع للمقاومة، بالإضافة إلى مناطق سكنية في مخيم جباليا شمال القطاع وخان يونس في الجنوب.
وأسفرت الغارات عن استشهاد 18 فلسطينيًا، بينهم أطفال ونساء، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة. كما دُمّرت عشرات المنازل بالكامل، فيما باتت أحياء بأكملها مهددة بالاندثار بفعل القصف المتواصل.
من جهتها، أعلنت كتائب القسام تنفيذ عملية نوعية ضد قوات الاحتلال في منطقة "الشجاعية"، حيث تم تدمير آلية عسكرية باستخدام صواريخ موجهة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الجنود الإسرائيليين.
وفي ظل استمرار الحصار والقصف، يعيش أكثر من 50 ألف نازح في ظروف إنسانية صعبة داخل مراكز الإيواء المؤقتة التي تعاني من نقص حاد في المياه والغذاء والدواء، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة.
هذه التطورات تعكس تصاعدًا خطيرًا في الوضع الميداني بغزة، ما يزيد من تعقيد الخيارات الإسرائيلية، ويطرح تساؤلات حول قدرة الاحتلال على تحقيق أهدافه دون تكبد المزيد من الخسائر.