أخبار

إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري: نشأتها أهدافها وهياكلها التنظيمية

في 27 نوفمبر 2024، أطلقت الفصائل المسلحة في محافظة إدلب عملية عسكرية أُطلق عليها اسم "ردع العدوان". جاءت العملية بمشاركة عدد من الفصائل التي كانت تعمل تحت مظلة "غرفة عمليات الفتح المبين"، وتزامن إطلاقها مع تشكيل "إدارة العمليات المشتركة"، وهي كيان جديد يضم هيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، إلى جانب مجموعات من الحزب التركستاني.

النشأة والتأسيس

ظهرت غرفة عمليات الفتح المبين عام 2019 كإطار تنسيقي للعمليات العسكرية في الشمال السوري، وشملت مناطق إدلب وأرياف حلب واللاذقية وحماة. أصبحت الغرفة الجهة المسؤولة عن التخطيط وإدارة العمليات الميدانية، وحققت نجاحات في توحيد جهود الفصائل المسلحة.

في منتصف عام 2020، أصدرت هيئة تحرير الشام قرارًا يقضي بمنع تشكيل أي فصيل عسكري جديد أو غرف عمليات مستقلة ضمن المناطق التي تسيطر عليها. تمثّل هذا القرار في بيان أكّد توحيد جميع الجهود العسكرية تحت مظلة "غرفة عمليات الفتح المبين".

لاحقًا، أعلنت الهيئة في مؤتمر صحفي عام 2023 عن إعادة هيكلة القوة العسكرية للفصائل، وهو ما ساهم في تحقيق نوع من التوازن العسكري في المنطقة. مع انطلاق معركة "ردع العدوان" عام 2024، أُعلن رسميًا عن تأسيس "إدارة العمليات المشتركة"، وهي خطوة مثّلت تحولاً جديدًا في طريقة إدارة العمليات العسكرية.

الفصائل المنضوية في إدارة العمليات المشتركة

  1. هيئة تحرير الشام

تعد هيئة تحرير الشام أبرز الفصائل المسلحة في الشمال السوري، وتشكلت عام 2017 من اندماج خمسة فصائل رئيسية، هي:

جبهة فتح الشام (المعروفة سابقًا بجبهة النصرة).

لواء الحق.

جبهة أنصار الدين.

جيش السنة.

تعلن الهيئة أن أولويتها هي "إسقاط النظام السوري"، وتعتبر نفسها مرحلة جديدة من مراحل الثورة السورية، تسعى فيها إلى تجاوز الخلافات الداخلية وتحقيق الانتصارات العسكرية.

رغم أنها ترفض الدخول في مفاوضات أستانا، التي رعتها كل من روسيا وتركيا وإيران، فإن الهيئة حرصت على الظهور ككيان مستقل بعيد عن التصنيفات الأيديولوجية الصارمة. نفذت الهيئة العديد من العمليات الكبيرة، أبرزها معركة السيطرة على حي المنشية في درعا عام 2017.

 

  1. الجبهة الوطنية للتحرير

تأسست الجبهة الوطنية للتحرير عام 2018 كاتحاد لمجموعة من فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري. تضم الجبهة عدة فصائل كبرى، أبرزها:

جبهة تحرير سوريا، التي تشمل تشكيلات مثل "جيش الأحرار" و"صقور الشام".

جيش إدلب الحر، الذي يضم مقاتلين من مناطق مختلفة.

تأسست الجبهة بهدف التصدي لمحاولات قوات النظام السوري التقدم نحو المناطق المحررة، وهي تعمل كقوة منظمة تدافع عن المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

 

  1. حركة أحرار الشام

تُعتبر حركة أحرار الشام من أوائل الفصائل المسلحة التي نشأت مع تحول الثورة السورية إلى الطابع المسلح عام 2011. تصف نفسها بأنها حركة إسلامية شاملة تهدف إلى إسقاط نظام الأسد وبناء دولة إسلامية.

رغم فقدان الحركة لبعض نفوذها خلال السنوات الماضية، فإنها لا تزال لاعبًا مهمًا ضمن التشكيلات العسكرية المعارضة في الشمال السوري، وشاركت بفعالية في معركة "ردع العدوان".

  1. مجموعات من الحزب التركستاني

يُعد الحزب التركستاني قوة مسلحة ذات طابع أيديولوجي، يتكون من مقاتلين أجانب ينتمون إلى القومية الأويغورية. ينشط الحزب بشكل رئيسي في الشمال السوري، ويمثل أحد الفصائل الداعمة للعمليات العسكرية ضد النظام السوري.

 

أهداف إدارة العمليات العسكرية

تتنوع أهداف إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري بين الفصائل المختلفة، لكنها تشترك في خطوط عريضة تشمل:

تحقيق السيطرة الميدانية: تهدف الفصائل إلى السيطرة على مناطق استراتيجية، مثل المدن الرئيسية، الطرق التجارية، والمناطق الحدودية لتعزيز نفوذها.

حماية المدنيين: تدعي العديد من الفصائل حماية السكان المحليين من هجمات النظام السوري والجماعات المتطرفة.

إسقاط النظام السوري: لا تزال العديد من الفصائل ترى إسقاط النظام السوري هدفاً استراتيجياً، رغم تغير أولويات بعضها مع مرور الوقت.

الحفاظ على الاستقلالية: تسعى بعض الفصائل إلى تعزيز استقلاليتها عن القوى الخارجية، في حين تعتمد أخرى على دعم دولي لتحقيق أهدافها.

إنشاء نظام حكم محلي: في بعض المناطق، مثل إدلب وحلب، تسعى الفصائل لإنشاء أنظمة حكم مستندة إلى الشريعة أو الديمقراطية حسب توجهاتها الأيديولوجية.

 

مبررات إدارة العمليات العسكرية

تبرر الفصائل وجودها وإدارتها العسكرية في الشمال السوري بعدة مبررات:

الدفاع عن النفس: تصاعد العنف والقصف من جانب النظام السوري على مدينة إدلب أجبر العديد على تبني الخيار العسكري كوسيلة للبقاء.

ملء الفراغ الأمني: مع انسحاب النظام من أجزاء من الشمال السوري، وجدت الفصائل نفسها في مواجهة فراغ أمني كبير يتطلب تنظيماً عسكرياً.

التصدي للجماعات المتطرفة: ظهرت تنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية كتهديد كبير للمنطقة، مما دفع الفصائل لمواجهتها عسكرياً.

حماية الحدود: تقع الشمال السوري على حدود تركيا، مما دفع بعض الفصائل المدعومة من أنقرة لتبرير عملياتها بحماية الحدود والمصالح المشتركة.

دعم الثورة السورية: ترى معظم الفصائل أن عملياتها العسكرية جزء من استمرار الثورة السورية وتحقيق أهدافها.

 

هيكل الواجهة العسكرية والمدنية

إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري تتميز بهيكل تنظيمي يجمع بين الواجهة العسكرية والمدنية، ويتفاوت التنظيم من فصيل إلى آخر:

  1. الواجهة العسكرية

القيادة العامة: يتولى القائد العام لكل فصيل إدارة العمليات وتحديد الأهداف الاستراتيجية.

الأركان: تشمل وحدات متخصصة مثل الاستخبارات العسكرية، إدارة الإمداد والتموين، والتدريب.

الوحدات القتالية: تتكون من كتائب وسرايا تتوزع على الجبهات المختلفة.

غرف العمليات المشتركة: بعض الفصائل تنسق عملياتها عبر غرف عمليات مشتركة مثل "غرفة الفتح المبين" في إدلب.

  1. الواجهة المدنية

الحكومة المؤقتة: تعمل كهيئة إدارية مدنية في المناطق المحررة، وتشرف على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.

حكومة الإنقاذ: في إدلب، تُدير الشؤون المدنية تحت سيطرة هيئة تحرير الشام.

المجالس المحلية: تشكلت في العديد من المدن والقرى لإدارة الأمور اليومية والتنسيق بين المدنيين والفصائل العسكرية.

هذا التداخل بين العسكري والمدني يسمح للفصائل بالسيطرة الشاملة على المناطق، لكنه يثير انتقادات حول نقص الشفافية وتقييد الحريات.

 

قيادات إدارة العمليات العسكرية

تختلف الشخصيات القيادية باختلاف الفصائل، لكن جميعها تعتمد على خبرة عسكرية سابقة وقاعدة شعبية أو دعم خارجي:

أبو محمد الجولاني: قائد هيئة تحرير الشام، يعد من أبرز الشخصيات في الشمال السوري. استطاع عبر تكتيكاته الجمع بين العمليات العسكرية والسيطرة الإدارية على إدلب.

سالم إدريس: شغل مناصب قيادية في الجيش السوري الحر، وكان له دور كبير في تنظيم العمليات ضد النظام السوري.

عبد الله حمدان (أبو أحمد نور): قائد في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وهو لاعب رئيسي في العمليات شمال حلب.

مصطفى سيجري: قيادي سياسي وعسكري بارز في الشمال السوري، يتمتع بتأثير في تشكيل استراتيجيات المعارضة المسلحة.

 

التحديات التي تواجه إدارة العمليات العسكرية

إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري تواجه العديد من التحديات التي تؤثر على كفاءتها وفاعليتها مثل التنازع بين الفصائل فالصراعات الداخلية تؤدي إلى ضعف التنسيق وتعقيد العمليات. التدخلات الخارجية فالدعم الدولي لبعض الفصائل يجعلها تعتمد على أجندات خارجية بدلاً من الأهداف الوطنية. النقص اللوجستي إذ تعاني بعض الفصائل من نقص في الموارد والمعدات، مما يحد من قدرتها على الاستمرار. الاستهداف الدولي إذ تصنيف بعض الفصائل كإرهابية يزيد من الضغط عليها ويقلل من شرعيتها الدولية.

إدارة العمليات العسكرية في الشمال السوري تُعد نموذجاً معقداً يعكس طبيعة الصراع في المنطقة. ورغم أن هذه الإدارة حققت بعض النجاحات في حماية المناطق التي تسيطر عليها والسيطرة نهاية نوفمبر 2024 على حلب بالكامل، إلا أن التحديات الهيكلية والسياسية تظل عقبة أمام تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

المصدر: ترندي نيوز+مصادر مفتوحة
زر الذهاب إلى الأعلى